بسم الله الرحمنالرحيم
( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَأَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْلَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَبَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍيَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍوَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِندُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِالسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِييُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَاتُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
صدق الله العظيمكان سيدنا ( سليمان ) عليه السلام يعرفكأبيه ( داوود ) عليه السلام لغة الطير ، بعلم أعطاهما الله إياه ، فيفهم ما تريدهبأصواتها إذا صوتت ، كما يُفهمُها ما في نفسه ويحاورها . ولقد سخرها الله تعالىلسليمان ، يأمرها فتأتمر ، ويوجهها غلى أية جهة أارد ويستعملها في بعض المهماتوالشؤون ....
دعاها مرة فاجتمعت بين يديه ، فأخذ يتفقدها فلم يجد الهدهدبينها ، فاعتبر غيابه مخالفةً لأوامره، وعد ذلك جريمة يستحق عليها الهدهد العقابالشديد وقال :
سوف يلقى الهدهد منى عذاباً شديداً قد يصل الى الذبح ، أويعتذر عن غيابه بسبب مقبول ومعقول ...
فلما حضر الهدهد سأله سيدنا سليمانعليه السلام عن سبب غيبته فقال الهدهد :
كنت في سبأ من أرض اليمن فرأيت هناكمُلكاً عظيماً ، أرضا واسعة وخيراً كثيراً ، وخلقاً عديداً ، وملِكة اسمها بلقيستحكُمُ عليهم ، يًجلًونها ويحترمونها ويطيعونها ، وهم - أي أهل تلك البلاد - كفاروثنيون يعبدون الشمس من دون الله .
,اشد ما أثار دهشتي وإعجابي عرش تلكالملِكةِ المحلى بالجوهر الثمين واللآلئ الفاخرة .
فأراد سليمان عليه السلامأن يختبر الهدهد ، هل هو صادق في ما يقول ام كاذب ؟ فأعطاه رسالة ليوصلها إلى تلكالملكةِ ((( بلقيس))) ... في سبأ ليلاً ، فدخل من التافذة إلى مخدعها حيث تنام فوقسرير جميل وألقى الرسالة من فمه وفتحت الرسالة فإذا فيها :
(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين)
ومعنى ذلك ، أن هذه الرسالة منالملك النبي سليمان الحكيم الذي سخر لهالله تعالى الجن والإنس والطير وكل شيء ، إلى ملكة سبأ " بلقيس " وعليها أن تعرفمنزلتها ومكانتها التي هي دون منزلة ومكانة سيدنا سليمان عليه السلام ، وأن لاتستمر هي وقومها في عبادة الشمس ، بل ترجع إلى عبادة الله الواحد الحق ، وتأتي إلىأورشليم القدس حيث عاصمة سيدنا سليمان عليه السلام مع قومها مسلمين ومستسلمين .
بعد أن قرأت " بلقيس " رسالة سليمان عليه السلام عرضتها على وزرائهاومعونيها ، ونبهتهم إلى أن سليمان عليه السلام أقوى منهم وأشد .
فغضب القوموثاروا وقالوا :
نحن أيضا أقوياء وأصحاب بأس ، ثم إن الأمر إليك يا صاحبةالسلطان ، نطيعك ولا نخالفك فيما ترين .
ففكرت بلقيس كثيرا ثم قالت :
يا قوم .... ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) وأخاف إن خالفنا سليمان أن يهاجمنا وينفذ تهديده ووعيده لنا .
فقالوا :
ما العمل ؟فقالت بلقيس :
إني أرى أن أبعث له هدية عظيمة ، ثم نرىبعد ذلك ما يحمله الرسل إلينا من تأثيرها عليه .
فصاحوا جميعا :
نعمالرأي ، ودام حُكمك وحِكمتك يا ملكتنا .
فلما جاءت رسلها إلى سليمان عليهالسلام بالهدية لم يقبلها ورفضها ... وقال لهم :
إنه ليس في حاجة إلىأموالهم فهو وشعبه في أرغد عيش وأهنأ حال ، ثم توعدهم وملكتهم بأن يرسل إلى بلادهمبجيش جرارٍ وجنود لا قبل لهم بها ، وسيخرجهم من بلادهم أذلة صاغرين .
عادالرسل إلى اليمن وأخبروا بلقيس بعظمة سليمان عليه السلام وقوة مُلكِهِ ، فخافت علىشعبها من التشتت والضياع والقتل والتشريد في الارض ، فأجمعت أمرها على الذهاب إليهفي رجال دولتها ، وحملت معها الهدايا الوفيرة والعطايا الكثيرة ...
وحين علمسليمان عليه السلام باعتزام بلقيس على الحضور إلى القدس بنى لها قصراً عظيماً وجعلأرضه من الزجاج السميك بدلاً من البلاط ، وهذا ما لا يعرفه أهل اليمن ....
ولما اقترب موكبها من القدس وصارت على أبوابها أراد سيدنا سليمان عليهالسلام أن يفاجئها بفعل خارق وعمل عظيم يجعلها تستسلم لسلطانه..
فقاللجنوده من الجن :
من يستطيع أن يأتيني بعرش بلقيس ؟فقال عفريت منالجن :
أنا اتيك به قبل أن تقوم من مقامك ،وقال أخر :
أناآتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( أي قبل أن تغلق عينك وتفتحها )
فسُر سليمانعليه السلام بذلك ...
وأحضر العرش وجُعل في القصر الجديد ...
فلماوصلت بلقيس ....
ولي عودة مع ملكةسبأ
فلما وصلت بلقيس أستقبلها سيدنا سليمان عليه السلام وأتى بها إلى القصر ، وعندمادنت من الباب كشفت عن ساقيها ورفعت أطراف ثوبها الطويل وهي تظن الزجاج البلوري فيأرض القصر ماء رقراقاً ، فأخبرها سليمان عليه السلام بأن الذي تراه إنما هو زجاجوليس ماء .
ولما رأت العرش يتصدر قاعة القصر الكبرى وقفت جامدةً في مكانهامتعجبة .....
فقال لها سليمان عليه السلام :
أهكذاعرشك؟فقالت :
كأنه هو !!!
فأخبرها سليمان عليه السلام بأن العرشعرشها وأن الذي أحضره أحد جنوده من الجن في أقل من طرفة عين .
فقالت بلقيس :
( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )
وهكذا كانغياب الهدهد ثم حضوره خيراً وبركة علي سليمان عليه السلام وبلقيس وأهل سبأ ..
===
جنود سليمان عليه السلام ...
اعزائي :-
يقول الله تعالى في القرآن الكريم :
( وحشر لسليمان جنوده من الجنوالإنس والطير فهم يوزعون )
لقد سخر الله تعالى لسيدنا سليمان عليه السلامكثيرا من مخلوقاته كما علمه منطق الطير ...
فكان كل ذلك ابتلاء من الباريسبحانه لنبيه سليمان عليه السلام ..
كيف يستخدم تلك القوى الهائلة ؟ وكيفيذهب بها ؟ وأين يضعها ؟ وإلى أية غاية يسعى ؟وهذا درس من الله تعالى لكلإنسان ، ولكل بشر...
فلا يكفر بنعمة الله ولا يستخدمها في غير طاعتهوعبادته ، ولا يوجهها إلا إلى الخير ، خير الفرد وخير المجتمع ...
ولا يكونفرداً تستهويه نزغة الشيطان ووسوسته ...، ولا تستخفه .. فيقع في المحظور ، فيصدقفيه عندئذ قول الله تعالى ...
" كلا إن الانسان ليطغى أن رءاه استغنى "
وليكون على بينة أبداً من الحقيقة القائمة الماثلة في قوله :
"إن إلىربك الرجعى "
نستخلص من حوار سيدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد ثم استخدامالجن في إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ يرى بوضوح أنه عليه السلام كان لا يستخدم أية قوةسخرت له من عند الله إلا في سبيل الخير ..
لم تكن لديه رغبة في العرش ذاته .... ولا في بلقيس نفسها ...
ولا في بلادها ...
بل كان جل همه صرفهاوقومها عن عبادة غير الله تعالى .. والاهتداء الى الحق ...
كان همه الأوحدإسلامها وإسلامهم ... فقط ...
وبهذا يكون الخلاص الحق ..
وبه يضمنالناس جميعا وفي مختلف العصور والدهور سعادة الدنيا ورضوان الآخرة ..